عندما أشكو أي وجع مهما كان ساذجا أوتافها، فإن أبي وأمي يركضان بي إلى كل العيادات، خوفا من أن يسمعانني أتوجع، فكيف لي بعد هذا أن أشكك فيمن يقول إن مات أمك وأبوك مات كل من يحبك؟.
الحب، الذي يتولد من بين أجواف هذين البشريين يفوق كل تصور ممكن للأدب أن يلخصه في فنونه السبعة المعروفة مهما ابتدع من عبقرية، أو فانتازيا.
إنهما يهرعان، يبكيان، ويخشيان عليك من كل شيء، وإن أعطياك الإذن لترحل عنهما، فهما يفعلان ذلك خشية أن تتألم من قربهما.
ربي إنك صورت ما صورت! وقلت ما قلت، لكني مازلت أعجز أن أصور هذا الحب الإلهي الذي جسدته من خلال هذين البشريين، إنهما يتجاوزان قدرة كلماتي الخجلة المترددة أن تتصدر الصفحة البيضاء وتَنفُش ريشها قائلة هما وهما وهما، إنهما فوق بلاط الأرض، وفوق كل العلوم التي يمكن أن تحلل ما يقومان به، إنهما يفعلان لأنهما وحدهما من يجسدان المعنى الخالص للأمومة والأبوة، فكيف بنا نحن البنوة أن نفهم هذا التكتل العاطفي الذي مهما كبرت نفوسنا تصغر أمام رحمتهما؟.
بإمكانهما أن يخرجا عن طورهما، أن يصرخا، أن يسبا ويلعنا، وأحيانا كثيرا أن يضربانك أنت ولا أحد غيرك، وفي جوف جوفهما لا يحركهما إلا شيء واحد الخوف عليك، يخافان عليك من أن يتكشف غطاؤك أثناء نومك، يخشيان عليك من أن تتأوه من أي سبب كان حتى لو كان في نظرك أنه أتفه من أن يلتفتا إليه.
وأهم من هذا كله، عندما يريدان منك أن تكون شيئا وفقا لرغبتهما وليس لما تريده أنت، فهما يكونان في حلمهما يحلمان بأن تكون أنت سيد الكون، حتى لو وصلت ساديتك عليهما، أنهما يريدان أن لا يريا نفسيهما فيك، بل يريدانك أن تكون أنت امتدادا أكثر سيادة وسلطة منهما.