غزة مدينتا
أشعر أن المدينة تأكلني وتأخذني إلى جوف بئرها، وليت على هذا العمق تجد طعم ماء حلو، إن المدينة تضيع فينا كما ضاعت بمن كانوا قبلنا، لا تعطينا شيء، ولا تريد أن تتنازل عن هذا الحق، لست ألوم هذه اليابسة بما فعله من هم فوقها، لكن ألم يكن بإمكانها أن تفتح أرضها وتبتلعهم مثلا، أو أن تتحالف مع السماء وتمطرهم ما يستحقون حتى يسكتوا أفواههم عن التشدق بما هو ليس حقيقة.
أيا غزة، أيتها المدينة التي تكبر زحفا عمرانيا، وتصغر إنسانيا، أما آن لك أن تبصقي كل من يتحشرج في حلقك، أما آن لك أن تتنفسي الحياة كما أوجدها الله لك، أما آن لنا أن نتغنى بساحلك وصفرة شاطئك، وربيع جوك. أخبريني ألم تكتفي من كل هذا الحزن الذي يبتلعك أنت وأنت وحدك فقط.
أيا غزة، إن الناس فيك يمشون هائمي الوجه غير مهتدين إلى أي قبلة، يتوضأون، يصلون ويركعون ولا تدري أهم يشتهون الموت بهذا، أم يدعون الخالق أن يعصف بك وينقلك إلى شق آخر من الكرة الأرضية، لعلك تجودين عليهم بما يحلمون به، صدقيني هم لا يحلمون بالكثير، فكل ما عرفوه على امتداد أعمارهم لا يتجاوز قطع مسافة 30 كم على امتداد أطول شارع فيك، خال من أي مظهر جمالي.
صدقا لست ألومك، من أنت؟ ربما مدينة مؤنثة، يقذفك ويشتمك ويلوكك بلسانه كل حانق على ما آلت إليه الظروف، لكن ألم يكن جدير بك أن ترفأي أنت فينا حتى لو كنت شيئا معنويا غير محسوس.