هل نستطيع أن نقر بشكل واضح وصريح أننا نتنفس بحربة؟
أو هل نستطيع القول أننا لا نمضي أيامنا عبثا في البحث عن متنفس هنا وهناك، أغلبنا يشعر وكأن الحياة تمضي به إلى مستقر غير معلوم، نعرف بشكل لا مجال للشك فيه، إن هناك خطب ما، بل الحقيقة أن كل الناس أجمع يسيرون باتجاه ما، لكنه هذا الاتجاه ليس واضحا تماما، يبدو على ملامحنا الانتظار، ونسأل هل هو انتظار الموت مثلا؟ ولكن يتكشف لنا أن الموت أضحى شيئا مستحبا للتخلص من رقاع المدينة والتملص من اللافكرة واللاوجود ولا ينتظر بل يأتي عنوة.
الأكثر ألما، أننا نيقن أنا نعيش في مدينة تنتج مجتمعا يرزح تحت آفات فكرية تنخر في عظمه وتحيله إلى رماد،
وماذا نفعل في صدد هذا المعلوم واليقين؟
إن الوطن في اتجاهات متضاربة لا يفرق بين ذكر وأنثى ويطحننا بمدراس الخوف واليأس، نعم …علينا أن نجيد الصمت ونمتهنه اتجاه كل مظاهر التنمية والتوقف عن التغريد بأحلام أفلاطون وغيره من الفلاسفة، لمدينة فاضلة. علينا العودة إلى سلم الاحتياجات الأولى والعمل على سد أفواه من نعيلهم طعاما وماءا صالحا، وربما وأقول ربما ألف مرة بعد ألف ألف عام يمكن أن نعود لخارطة العالم ونبدأ بصياغة القانون من جديد، عندها نكون تعفنا تحت التراب، وخُلقت أجيالا تلعن وجودها على هذه الأرض، تتجاهل كل التواريخ الأدبية ولا تعرف درويش ولا قصائده ولا ما تشدق به كل المغنين والشعراء عن حب الأرض والوطن.
هل هذا تشاؤم، بالمطلق لا ولكن أعكس حقائقا تمضي بنا إلى مستقبل مجهول الملامح والتفاصيل،
الغريب في الأمر أن قبل أعوام من الآن كنت أستيقظ على ثورات إعلامية، أو حراكات شبابية تناهض كل أشكال القمع، نشأت على فكرة أن الشباب يقول لا لهذه الحياة ولكن ما نمر به من عقاب جماعي لا سبيل لتبريره ربما يردعه عن الوقوف في وجه التغير.
أعترف أنني أنا ربما غيري من الأشخاص توقفنا حتى عن الرغبة بالمشاركة في التغيير ، وتوقفنا عن ما هو أخطر من ذلك عن، الشك بالوجود، وربما نؤمن أننا عدم، وأجسادنا كتل فيزياية تحتل جزءا مؤقتا من الفراغ، المبادرات الفردية أضحت معدومة ولكن لابد أن نعترف أن هناك فئة مازلت تقول أنا أتنفس أنا موجود، وهذه المدينة لي على صغرها.
ليت قلمي يخط، كم حَلمنا و كبرنا على فكرة تخطي الحدود والحواجز والانطلاق إلى ميتافيزيقيا الكون والتعرف على أنماط الدنيا أجمع، ولكن اليوم أصبحنا نودع الشباب وأقصى أمانينا أن تتعدل درجات الحرارة من شدة الحر لنتمكن من الشعور ببعض النسيم، بالتأكيد أستثني من ذلك كل الراغبين والمتمردين والحالمين والمحاولين واللاعنين، أقول اللاعنين لأنهم ساخطين على الأقل ولكن لا يمكلون الجرأة لكسر البقعة الجغرافية والتخلي عن تاريخهم في هذه المدينة وربما عن الأمل، كل هؤلاء لا يريدون أن يتركوا الوطن أو يغيروه ولكن يريدوا أن يحيوه في دواخلهم، لعل نستولوحيا الغياب تنخر في ذاكرتهم ما هو جميل، وما يمكن أن يُبكى على أطلاله في الحنين إليه.
الأيام تمضي بنا حرة كيفما شاء غيرنا لنا، ونحن نحاول ونحاول ونحاول مليون مرة أن لا نُميت الحلم فينا، ونقلب الأمر في صالحنا لنمضي بها حيث الأحلام تزهر ربيعا حقيقيا.