مرت عشرة أيام، وحتى هذه اللحظة لا تعرف كيف؟، كانت بطيئة جدا أبطأ من سلحفاة ترقد تحت بيتها، وأسرع من صاروخ يخطف العشرات، لقد مرت دون أن تستطيع أن تدون أو تتابع أو أن تتذكر شيء، تستيقظ فقط على عداد الشهداء الذي أصبح يقف على حدود الألفين، وعداد الجرحى الذي ينتظر أن يحقق رقما جديدا ويتجاوز العشرة آلاف…لقد اغتيل كل قطاع غزة، منطقة منطقة، حارة حارةـ، وحجر حجر فيه، لم يعد بالإمكان القدرة على حصر عدد المجازر التي ارتكبت شمالا وجنوبا والنكبة الأكبر في أماكن النزوح والأكثر فجاعة في أماكن التداوي –المشافي-.
إنك في غيبوية، إن أصوات الصوارييخ والقذائف، والصراخ لم تعد تبيقك مستيقظا أنت في غيبوية اللاوعي واللاإدراك، لم تعد تقوى أن تسأل نفسك عن الحياة أو عن الموت لم تعد تفكر إلا بنفسك، تفكر كيف ستجتاز بوابة السماء، هل سبيقى معك وقت لتودع ما تحت قدميك، لم تعد تفكر إلا كيف ستموت؟
هل موتا فردانيا، تتلحف فيه سريرك، أم ثنائيا تحتضن به شريكك، أم موتا جماعيا تدفن فيه أشلاء صاروخ جوي مع رفاقك، أم عالميا من هذا الصمت المطبق..
وربما أنت لم تفكر أصلا، استسلمت إلى هذا التيار، وأصبحت قطعة من اللحم تحتل مساحة من هذه الأرض، تنتظر حشرها في مكانها، ونقلها أشلاء لتدفن في مقبرة من مقابر غزة….ستكون مصيبة لو هذا الاستسلام جاءك بالحياة وبقيت تعيش عاجزا مبتور الأطراف.
وتعود تقول: أغبي أنا، أأحمق أنا، نحن أموات نسير على هذه الأرض، نقضي مصالحا، وسيبتلعنا التراب كما أخرجنا، في دققيقة أو اثنتين.
لقد مر تسعة وعشرون يوما، وأنت مازلت حي، تمتلك ما يمتلك أي إنسان على وجه هذه الأرض من أعضاء وأطراف، ولكنك فقدت ما يبقيه قادرا على التنفس، فقدت نفسك ولم تعد تتذكر أي تفاصيل تجمعك بالماضي، لم يعد وعاء دماغك يحتوي على أي ذكريات، ولا علي أي نبض، لعلك لا تبالغ إن قلت أنت عشت لأن الموت لم ينتصر لك ويصفيك وينقلك إلى راحة الخلود، أبقاك تتمرغ وتتلوى بالوقت، تنتظره بعدد شعرات رأسك التي اشتعلت شيبا بعد تسعة وعشرون يوما لم تبقى ولم تذر.
أنت لاشك في غيبوبة التهتمتك أنت ومليون وثمنمائة ألف إنسان يحتلون مساحة 365 كم مربع من الأرض واستكثر عليهم ذ.
