لقد نمت الليلة!
تسيقظ هلعا، تصرخ في وجهك: كيف تمكنت من النوم، لم يتوقفوا عن قصف المدينة، ولكني تمكنت من النوم كيف يعقل هذا؟
لا تريد أن تصدق فعلا أنك استطعت النوم، تغسل وجهك مرارا وتكرار، وأنت تأنب نفسك قائلا: كيف لك أن تفعل هذا؟
هل يعقل أن قلبك لم يعد يرتجف مع سماع أصوات القذائف؟
هل من الممكن أنك لم تعد تبالي إلى الأخبار؟، وأصبحت تنتظر، فقط تنتظر ولا تفعل أي شيء، إنك حتى لم تعد تقرأ الكتاب المقدس في هذه الأيام المباركة من شهر رمضان.
مخيلتك لم تعد تسعفك، لتتذكر القصص، ولم تعد بإمكانها أن توجه عقلك مع كل ضربة إلى ألا يموت قلبك، لكنك هل تستطيع أن تتحمل سماع صوت القذيفة، وسماع أسماء من مات من القذيفة؟
تغسل وجهك مرة أخرى، هل حقا هذا اليوم مثل غيره قبل العدوان أي قبل ثمانية أيام.
تقول على لسانك رقم ثمانية 8 برعب كبير، وتصرخ أمام صورتك على المرآة: يا الله، لقد مر ثمانية أيام، أي 192 ساعة، تحسب عدد الساعات في دماغك وكأنك كنت بحاجة إلى إضافة لتشعر بالوجع أكثر.
يعلو صوتك: لكن الوجع أكبر من أن تكون تعودت عليه.
تخرج مسرعا من بيتك: ترى الحارة كما تركتها قبل 8 أيام، الناس تعيش، تتحدث إلى بعضها البعض، تجلس أمام منزلها، وتحاول أن تحول حالة الترقب إلى حلقات من النقاش.
تسأل نفسك بتعجب- ماذا يحدث لنا، أنحن نُميت فينا الإحساس لنتحمل أكثر، أم أننا ما عدنا نتحمل أكثر؟
تُكذب أي فكرة خبيثة تتسلل إلى سجلات دماغك، تستعين بخيالك وأنت تكرر: لا أنا لن ولن أتعود على هذا الشذوذ الإنساني.
تسمع أصوات حلمك تتجسد بأصوات قصف، ترى النيران تشتعل بين خلايا رأسك، عينيك تخرج من وجهك، وأنفك ينزف دما، بل وتسمع أصوات صراخ صداها يخرق طبلتك، بكاء شديد لا تستطيع أن تميز هل هو لرجل، امرأة أو طفل؟؟
حتى رؤياك تُسلب منك، وتمتزج مع الواقع، لم تستيقظ، لقد أصبح هذا الرعب منك وفيك.
تقف مذعورا: لم يكن كل هذا العدد، لا أصدق أنهم تجاوزا 170، وأولئك المنكوبين في الأرض الجرحى تخطو 1200
تصرخ بأعلى صوتك لتسمع كل جيرانك وأولاد عمك: أنا لا ولن أتعود على أن تكون الحرب روتين، هي طارئ عليه أن ينتهي وللأبد.
