.انتهى اليوم السادس بحصيلة شهداء تتخطى 150 شهيد، و1000 جريح،
جوارحك كلها معطلة، لا تسمع، لا تنام، جسدك منهك حتى النفس الأخير، هو الله وحده من تستطيع أن تشكو له ما في قلبك من وجع وألم، الموت ينهمر على المدينة ويأخذ معه الحبيب، الصديق وكل أحد غيرهم أيضا، لا يفرق بين أحد.
تأكل لأجل أن تعيش، وتتنفس لأنك لا تملك أي خيار آخر، وتفكر ، تفكر حتى يمل التفكير منك، كيف كنت تعيش قبل سبعة أيام، تسبح في أحلامك وآمالك، على الرغم من حالة العدم التي تفشت في المدينة وبدأت تحصد معها كل أمل، لكنك كنت تحلم، نعم كنت تحلم، بذلك اليوم الذي تنطلق فيه إلى الحياة فرحا بانتصاراتك على ذاتك، مؤمنا أنك تستطيع أن تصنع التغيير حتى لو كان باستيقاظك كل يوم مبتسما.
في اليوم السابع لهذا العدوان، تحمل أملا واحد وربما إيمانا واحدا، أن تبقى حيا، تحلم ليل نهار، وتتخيل، تتخيل الكثير من الأشياء، -أي شظية هذه التي ستحصد روحي؟،
هل يمكن أن أفقد حياتي من الخوف،؟
وهل الخوف قاتل؟،
هل سيتحمل قلبك أي فقد آخر؟،
ماذا لو طلبوا منك وعائلتك إخلاء المنزل هل ستترك كل ذكرياتك تنتهي بصاروخ واحد؟،
هل ستتركهم يسلبونك تاريخ مولدك وطفولتك وشبابك؟، وهل ستحلق أحلامك إلى السماء مع ركام المنزل الذي ستحضنه الأرض .وهل يعقل هذا، وهل يمكن أن يحدث هذا؟
لقد مات 150 شخصا، كل واحد فيهم له اسمه وتاريخه، وحلم، كل واحد كان يحلم، الأطفال منهم لاشك أنهم كانوا يحلمون بملابس العيد، وبمدينة الملاهي الصغيرة التي يذهبون إليها في السنة مرة، يحلمون بالسباحة في البحر على الرغم من أنه ملوث، ويحلمون أن يكبروا ويذهبوا إلى الجامعة..ولعل طفل منهم كان يحلم أن يزور قريته التي أخبرته عنها جدته عن والدتها، قد تكون حمامة، هربيا، سمسم ، مسمية، …..الخ قد تكون أي قرية من هذه القرى التي أُخذت بالقوة…
وقد يكون هناك طفل آخر يحلم بالسفر بعد أن أخبره عمه عندما تحدث إليه عبر السكاي بي عن جمال المدينة التي يسكن فيها..لقد كان يحلم وسبقه حلمه إلى السماء..
قد تكون امرأة، تحلم في تجديد مطبخها بعديتها التي ستحصل عليها، أو تحلم في رؤية ابنتها ترتدي الثوب الأبيض لتزف إلى عريسها بعد العيد، وقد تكون امرأة اخرى تحلم في أن تحج هذا العام بعد إن انتظرت خمس سنوات من كل قرعة كانت تجرى لاختيار الحجاج….قد تكون وتكون وتكون..
وقد يكون شاب حلم، أن يصلى في الأقصى، وصليّ عليه قبل أن يرسم صورة لحلمه حتى…
تفكر بكل هذه الأحلام، وأنت تقرأ أعداد الشهداء الذين يزدادون كل ساعة بمعدل لا يمكن تقديره، تصرخ في داخلك وأنت تقول: اصمت، اصمت لا تعدهم.
.اذكرهم، وقل أنه قد مات ما يتجاوز 150 حلما، على أرض ماتت قبل أن يُعتدى عليها
