إنها الساعة الثالثة والنصف صباحا،
لم ينم سكان غزة، وأنت قلبك يخرج من مكانه مع صوت قصف يهز أركان منزلك، وهذه المرة قد سقط زجاج بعض النوافذ، علىالرغم من أنك قد قمت بفتحها.
إنك تسأل الله بتذلل طالبا رحمته، أن يغشي بصرك ويحط على سمعك ، ، والدتك كالعادة في المطبخ توضب طعام السحور، وبصوت هادئ مرتعش تنادي عليك وعلى باقي إخوتك، تنظر إليهم واحدا واحدا، وجوههم صفراء، يجلسون على المائدة كما المقاعد التي يجلسون عليها، كيس الخبز لم يفتح….على صوت المؤذن يبشر بنهار صوم جديد.
لا أحد يتكلم، لا أحد يقول شيء، ولا أحد يصرخ حتى.
صمت يهزه فقط شيئين اثنين، صوت يصدر من آلات حربية عسكرية يحصد مزيدا من الشهداء والجرحى، وصوت آخر يحصي أعداد من يموت ويصاب، قد تجاوز عدد الشهداء المئة والثلاثون والجرحى 900.
تتذلل أكثر إلى الله ، تحاول النوم لعل قلبك الهارب يعود إليك، لكن لا مفر، يأتي عليك الصباح والظهر وعلى نفس الحال، التسمر في مكان واحد، انتظار ما هو آت، داعيا أن لا يحمل معه أي خبر أو نبأ…
تغفو قليلا وأنت جالس في مكانك، تحلم بهدوء قد يحل على قلبك، لكن من أين لك بهذا، يقع قلبك بين رجليك على أصوات متتالية ربما لقصف واحد يصاحبه عودة للتيار الكهربائي، وأخبار عن سقوط عائلات بأكملها، تحدق في شاشة التلفاز، تقلب القنوات، تريد أن تصرخ من داخلك، تريد أن تملأ الدنيا بكاءا، تريد أن تضرب كل ما حولك..
-هل هو منزلها؟؟
تسأل نفسك : لا أحد يجيب.
تريد أن تركض، أن تخرج من منزلك، إلى المشفى……تنتفض من مجلسك وتجري كالمجنون إلى الشارع، والدتك تصرخ : لا تخرج وهي تبكي بحرقة.
تنزل الدرج بسرعة قبل أن تستوقف نفسك: ماذا سأقول لهم، من أنا؟؟
-أنا لا أحد، لا أحد غير بشري يحبها.
تقف مدركا معنى العجز الحقيقي، لا تستطيع أن تفعل أي شيء، لا أن تركض إلى منزلها، ولا الذهاب إلى المشفى ولا حتى العودة إلى منزلك…
– سأهاتفها، لن أحتمل هذا الوجع أكثر..
تجلس على الدرج، حواسك لا تستجيب إلى أي شيء: الهاتف الذي تحاول الاتصال به مغلق حاليا.
تقف بكل غضب، تركض وتركض وتركض………….
